البحث او المقال
الخطاب الصاعد في فكر السيدة الزهراء
أ.م.د خليل خلف بشير
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وبعد : فهذا بحث يتناول شيئاً من تراث ابنة أعظم نبي ،وزوجة أول إمام وبطل ،وأم أينع برعمين في تاريخ الإمامة ،وسيدة نساء العالمين ،والوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة ،والمنبت الطيب لعترة رسول الله - صلوات الله عليهم أجمعين – وقد اخترتُ أدعيتها المباركة لاسيما حينما وقعت يدي على كتاب الصحيفة الفاطمية لمؤلفها محمد تقي دخيل الذي كفانا تعب التنقيب في المصادر التي ذكرت أدعية السيدة الزهراء (ع) فَرُحْتُ ممهداً لبحثي بتمهيد سميته ( الدعاء ودوره في تربية الإنسان ) ذكرتُ فيه معنى الدعاء لغة واصطلاحاً ثم عرجتُ على دور أهل البيت الدعاء في تهذيب الإنسان من خلال الدعاء ،وأهمية الدعاء في حياة الفرد والمجتمع ثم ولجتُ إلى الموضوع بحديث عن تراث السيدة فاطمة الزهراء ،والسمات الدلالية لأدعيتها المباركة على أنني بذلت جهدي ،وأعملت فكري لأضع هذا البحث بالمستوى المطلوب ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب – هود /88).
الباحث
تراث السيدة الزهراء
على الرغم من أن الزهراء (ع) لم تعش سوى ثمانية عشر ربيعاً من حياتها إلا أنها خلفت تراثاً متنوعاً متمثلاً بأدعية ،وتسبيحات، وخطب ،وأشعار ،وقد جمع تراثها محمد تقي دخيل في كتابه الموسوم أدعية السيدة فاطمة الزهراء الصحيفة الفاطمية ،وضم أدعيتها الشاملة ،وديوان شعرها، وخطبها لذا يمكن القول : إن الزهراء كانت (( بمثابة جهاد لها وأسلوب لهداية الناس وإرشادهم وتعليمهم والسير بهم نحو مكارم الأخلاق ،ورضوان الله جلاله ورحماته )) (30) ،ولما كانت الزهراء مدرسة الإمامة وغرس النبوة فقد أوقفت حياتها الزوجية والفكرية والجسمية خدمة للرسالة وذوداً عن حياضها (31)،ولو عاشت أكثر مما عاشت وفُسح المجال أمامها لملأت الدنيا علماً وثقافة ومعرفة فما ،ولتركت للأمة الإسلامية أعظم ثروة فكرية وعلمية في شتى المواضيع والفنون ،وكان النبي (a) يخبرها عن المستقبل والخاص والعام (32).
السمات الدلالية في خطابها الصاعد
1- التكرار : توظف السيدة الزهراء (عليها السلام) في كل مقطع من مقاطع بعض أدعيتها جملة تتكرر في بداية كل مقطع ،وهي جملة ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) ،ويبدو أن هذه الجملة تحتل مساحة واسعة جداً من أدعية أهل البيت (عليهم السلام) – ومن ذلك أدعية الزهراء -عليها السلام- وقد ورد في أحاديثهم(عليهم السلام) تركيز وتأكيد كبيران على هذه الصلوات ،والسبب واضح هو أن الله تعالى يريد أن يجعل من الدعاء (( وسيلة لارتباط المسلمين بأولياء أمورهم واعتصامهم بحبل الولاء الذي جعله الله عصمة للمسلمين ،والصلوات من أهم أسباب هذا الارتباط النفسي فإن حلقات الولاء ممتدة بين الله تعالى وعباده ،وولاء الرسول (ص ) وأهل بيته (عليهم السلام) من أهم هذه الصفات )) (33) كما ورد في واحد من تعقيباتها ،وهو تعقيب صلاة الصبح فقد أكثرتْ من الصلوات ،ولعلها قد بدأت بها في كل مقطع من تعقيبها المذكور إذ تقول : (( اللهم صل على محمد وأهل بيته المباركين ،وصل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة عرشك أجمعين والملائكة المقربين ... اللهم صل على محمد وآل محمد ،وصل على ملك الموت وأعوانه ،وصل على رضوان وخزنة الجنان ... اللهم صل على محمد وآل محمد ،وصل على أبينا آدم وأمنا حواء وما ولدا من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .... اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم إنك حميد مجيد ... )) (34) ،وهكذا تستمر الصلوات بألفاظ مختلفة لتكون مفاتيح لاستجابة الدعاء فقد أورد أمير المؤمنين g أنه قَالَ:(( إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ (ص) ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَمْنَعَ الْأُخْرَى)) (35).
ومن التكرار تكرار مفردة ( اللهم ) في بداية أغلب مقاطع أدعيتها ولاسيما في أدعية الأيام إذ تعد هذه المفردة (( إعلاناً للتبعية ،وإيذاناً سرمدياً بالحاجة الملحة التي تتخذ من علاقة بين الله والإنسان بمثابة انطلاقة روحية تستفرغ جهداً في السلوك المستقيم )) (36) نحو قولها في دعاء يوم السبت (( اللهم افتح لنا خزائن رحمتك ،وهب لنا اللهم رحمة لا تعذبنا بعدها في الدنيا والآخرة ... اللهم وسع علينا في الدنيا... )) (37)،وقولها في دعاء يوم الأحد : (( اللهم اجعل أول يومي هذا فلاحاً،وآخره نجاحاً ،وأوسطه صلاحاً ، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن أناب إليك فقبلته ...)) (38) ،وقد يشكل هذا التكرار نقلة فنية من الذات إلى الموضوع هذا من جانب ،ومن جانب آخر يشكل أداة وصل وتلاحم بين الموضوعات(39) ،وقد تنوعت موضوعات أدعيتها بحسب المناسبة من ذلك دعاؤها عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وأدعية الأيام ،ودعاؤها لقضاء الحوائج ، ولدفع الشدائد ،وللأمر العظيم ،وإذا طلع شهر رمضان، وعند النوم ،ولدفع الأرق ، وبعد فقد أبيها ،وتعقيبات الصلوات اليومية ، ولطلب المساعدة والمعونة ،وغير ذلك (40) .
وقد صنفتها الباحثة انتصار عدنان العواد إلى : تعقيبات الصلوات ،وأدعيتها في الأوقات ،وفي أيام الأسبوع ،وأدعيتها لنفسها ولغيرها،ودعائها على ظالميها ،وفي طلب الحوائج وكشف الهموم ،وللأمر العظيم وكشف الهم ،ولتفريج الهم والخلاص من السجن ،ولطلب مكارم الأخلاق ،ولطلب الشفاء ،وأدعيته عند النوم ، وأحرازها(41).
2- السجع والتوازن : لعل من آداب الدعاء الابتداء بالمدح والتسبيح والحمد والشكر للخالق من ذلك قولها في تعقيب صلاة الظهر (( سبحان ذي العز الشامخ المنيف ،سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم ، سبحان ذي الملك الفاخر العظيم ،سبحان من لبس البهجة والجمال ،سبحان من تردى بالنور والوقار ... )) (42) ،وقولها (( الحمد لله رفيع الدرجات ، منزل الآيات ، واسع البركات ، ساتر العورات ، قابل الحسنات ، مقيل العثرات ، منفس الكربات ، منزل البركات ، مجيب الدعوات محيي الأموات ، إله من في الأرض والسموات ، الحمد لله على كل حمد وذكر وشكر وصبر وصلاة وزكاة وقيام وعبادة وسعادة وبركة... )) (43) ، ولا يخفى على القارئ السجع غير المتكلف في الصياغة الذي أتى على السليقة والبديهة ،وما يؤديه هذا السجع من إيقاع منتظم ، وهو سمة مميزة للدعاء،ولعل السر الفني وراء ذلك يكمن في طبيعة عنصر التلاوة التي يمتاز بها الدعاء عن غيره فالدعاء لا يُسمع ولا يُقرأ فحسب بل يُتلى فالتلاوة تتطلب إيقاعاً متناسباً مع وحداته الصوتية التي تنتظم في السجع أو التجانس اللفظي (44).
ويعد التسبيح لله تعالى والتحميد والتمجيد له أسلوباً من أساليب الإعداد والتحضير النفسي فمن خلال هذه التقديم يتهيأ الإنسان للإقبال مع الله ،والطلب والسؤال من الله (45)؛لأن حقيقة الدعاء في إقبال القلب على الله فإذا اشتغل القلب بغير الله من شواغل العاجلة لم يحقق حقيقة الدعاء(46).
3- استعمالها المحسنات البديعية ،ومن تلك المحسنات الجناس ،وهو تماثل الكلمات لفظاً واختلافها معنى (( وهو من الحلي اللفظية والألوان البديعية التي لها تأثير بليغ ، تجذب السامع ،وتحدث في نفسه ميلاً إلى الإصغاء والتلذذ بنغمته العذبة... )) (47)، والجناس على أنواع ،والناظر في أدعية السيدة الزهراء -عليها السلام- يجدها تكثر من جناس الاشتقاق - الذي يعني اشتراك لفظتين على جهة الاشتقاق - لبعث الأمن والطمأنينة في نفس الداعي حينما يكون في رحاب المدعو الرحمن الرحيم ، الغفور الودود كما ورد ذلك في تعقيب صلاة العشاء في قولها (( اللهم إني عائذ بك فأعذني ،ومستغيث بك فأغثني ،وداعيك فأجبني ،ومستغفرك فاغفر لي، ومستنصرك فانصرني ومستهديك فاهدني ،ومستكفيك فاكفني وملتج إليك فآوني ،ومتمسك بحبلك فاعصمني ... اللهم اكفني حسد الحاسدين ،وبغي الباغين ،وكيد الكائدين ،ومكر الماكرين ،وحيلة المحتالين ،وغيلة المغتالين ،وظلم الظالمين، وجور الجائرين ،واعتداء المعتدين ،وسخط المتسخطين ،وتسحب المتسحبين ،وصولة الصائلين ،واقتسار المقتسرين ،وغشم الغاشمين ،وخبط الخابطين ،وسعاية الساعين ،ونمامة النمامين ،وسحر السحرة والمردة والشياطين ...)) (48).
4- تأثرها بالبلاغة القرآنية والأشكال الفنية القرآنية التي حكاها الله تعالى في كتابه المجيد على ألسنة الصالحين من الأنبياء والملائكة المقربين والعباد المؤمنين إذ نجد تضمينها أدعية قرآنية كما في قولها في تعقيب صلاة العشاء (( ربنا عليك توكلنا ،وإليك أنبنا ،وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا،واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم (49) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (50) رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (51) رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (52) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ(53) رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (54) رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (55) وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليماً )) (56).
الهوامش
1- العين / الخليل بن أحمد الفراهيدي ، مادة ( دعو ) 2/222.
2- الصحاح / الجوهري مادة ( دعا )6/2337.
3- مجمع البحرين / الشيخ الطريحي 2/38.
4- التشريع الإسلامي – مناهجه ومقاصده / آية الله السيد محمد تقي المدرسي 4/291.
5- ينظر : الكافي/ الكليني2/467.
6- ينظر : أبواب الرحمة – دراسة في آفاق الدعاء ودوره في تربية الفرد والمجتمع الصالح / نبيل شعبان 110.
7- ينظر: مقال ( أثر الدعاء في النفس )، كريم شلال ، جريدة صوت المعلم ،ع32،س8 ، ع32،2011،ص 4.
8- تفسير من وحي القرآن / السيد محمد حسين فضل الله 1/ 75.
9- ينظر : الصحيفة السجادية ،مقال د.حسين علي محفوظ ،مجلة البلاغ ، الكاظمية ،السنة الأولى ، ع6.
10- ينظر : تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي/ د.محمود البستاني 234.
11- ينظر : الدعاء في نهج البلاغة ، د .خليل خلف بشير ، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول – نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان – ،ج 4،ص 295-296.
12- ينظر : أدب الدعاء في نهج البلاغة – دراسة دلالية ، د.هناء عبد الرضا رحيم ،ود. مرتضى عباس فالح ، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول – نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان – ،ج 4،ص 159.
13- ينظر : الدعاء / د. علي شريعتي 8-9،16-17.
14- ينظر : مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد عبد الأعلى السبزواري 3/67-71.
15- ينظر : الدعاء عند أهل البيت / محمد مهدي الآصفي 13.
16- ينظر : فلسفة المناجاة والتضرع والدعاء / محمد حسين المختاري المازنداني 45.
17- ينظر : الدعاء عند أهل البيت 271-273.
18- ينظر: منهج الدعاء عند أهل البيت ونماذج منه / صباح علي البياتي 38-39.
19- ينظر : في رحاب الدعاء / السيد محمد حسين فضل الله 16.
20- ينظر : الإمام الجواد من المهد اللحد / السيد محمد كاظم القزويني 455.
21- ينظر : منهج الدعاء عند أهل البيت 14-18،وفلسفة الابتلاء / الشيخ حافظ حداد 85.
22- ينظر : دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة / السيد محمد باقر الحكيم 1/132-133.
23- الصحيفة الفاطمية / محمد تقي دخيل84.
24- ينظر : في رحاب الدعاء 18-19.
25- ينظر : الدعاء عند أهل البيت 33-34.
26- ينظر : أثر الدعاء في النفس 4.
27- الصحيفة الفاطمية 83-84.
28- فاطمة الزهراء – أم الأئمة وسيدة النساء / النائيني 250.
29- بحار الأنوار / المجلسي 43/82.
30- الصحيفة الفاطمية ،مقدمة المؤلف 8.
31- الزهراء محمد فاطمة بنت محمد / عبد الزهراء عثمان محمد 212.
32- ينظر : فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني 161.
33- الدعاء عند أهل البيت 154.
34- الصحيفة الفاطمية 94-96.
35- نهج البلاغة/ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الحكمة 361،ص616.
36- ينظر : أدعية الإمام علي (عليه السلام) – دراسة تحليلية ،د.مريم عبد الحسين ،وحيدر ومحمود ،بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول لـ ( نهج البلاغة ) الموسوم – نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان – ج5 ،ص 96.
37- الصحيفة الفاطمية 85.
38- المصدر نفسه 86.وكذا في دعائها في أيام : الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ،وفي دعائها في مكارم الأخلاق . ينظر : المصدر نفسه 86-90.
39- ينظر : الإسلام والفن / د.محمود البستاني 174.
40- ينظر : الصحيفة الفاطمية،60،و85-184و،203-211.
41- ينظر : السيدة فاطمة الزهراء – دراسة تاريخية / انتصار عدنان عبد الواحد العواد 649-662.
42- ينظر : صحيفة الزهراء / أسعد عبود 54،وما بعدها،والصحيفة الفاطمية 106،ومثل ذلك في تعقيب صلاة العصر في الصحيفة الفاطمية 112 (( سبحان من يعلم جوارح القلوب ، سبحان من يحصي عدد الذنوب ، سبحان من لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء... ))،وتعقيب صلاة العشاء في الصحيفة الفاطمية 127-128 (( سبحان من تواضع كل شيء لعظمته ، سبحان من ذل كل شيء لعزته ، سبحان من خضع كل شيء بأمره وملكه ، سبحان من انقادت له الأمور بأزمتها ، الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه ، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه ، الحمد لله سامك السماء ، وساطع الأرض ، وحاصر البحار ، وناضد الجبال ، وبارئ الحيوان ، وخالق الشجر ، وفاتح ينابيع الأرض ، ومدبر الأمور ، ومسير السحاب ، ومجري الريح والماء والنار من أغوار الأرض متسارعات في الهواء ، ومهبط الحر والبرد ، الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبشكره تستوجب الزيادات وبأمره قامت السموات ، وبعزته استقرت الراسيات ، وسبحت الوحوش في الفلوات ، والطير في الوكنات...))
43- الصحيفة الفاطمية 128-129.
44- ينظر : الإسلام والفن 175.
45- ينظر : الدعاء عند أهل البيت 98.
46- ينظر : المصدر نفسه 84.
47- البديع في ضوء أساليب القرآن/ د.عبد الفتاح لاشين 155.
48- الصحيفة الفاطمية 129-130.
49- من الآية4 والآية 5 / سورة الممتحنة.
50- الآيتان 65-66/ سورة الفرقان.
51- الآية 89 من سورة الأعراف.
52- إشارة إلى قوله تعالى ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ – آل عمران /193).
53- الآية 194 / سورة آل عمران.
54- من الآية 286/ سورة البقرة.
55- من الآية 201 / سورة البقرة.
56- الصحيفة الفاطمية 134.
الخاتمة
يمكن إيجاز نتائج هذا البحث المبارك على النحو الآتي :
1- يبدو أن قصر أدعية الزهراء (ع) ،وعدم ضخامتها قياساً إلى أدعية أهل البيت مرده إلى عدة عوامل منها :
أ- قلة رواة أحاديثها – ومن ذلك أدعيتها – فقد رافقتها خادمتها فضة التي روت بعضاً من أحاديثها.
ب- انشغالها بأمور البيت والزوجية .
ت- لم تعمر في الحياة الدنيا بل إنها انتقلت إلى الرفيق الأعلى وهي في عمر الشباب فلم تكمل العشرين من عمرها المبارك لذا قصر حياتها في الدنيا يدل على قصر أدعيتها.
ث- يبدو أنها كانت منشغلة بالعبادة ومن ذلك الصلاة أكثر من الدعاء.
2- من السمات الدلالية البارزة في أدعية الزهراء (ع) :
أ. التكرار : وشمل تكرار الكلمات والجمل فتكرار الكلمات مثلت له بكلمة )( اللهم ) التي تكررت كثيراً لاسيما في أدعية الأيام ،ويشير هذا التكرار إلى الإعلان للتبعية ،والإيذان السرمدي بالحاجة الملحة التي تتخذ من علاقة بين الله والإنسان بمثابة انطلاقة روحية تستفرغ جهداً في السلوك المستقيم.في حين يشير تكرار الجمل الذي مثلت له بجملة ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) ويبدو أن هذه الجملة تحتل مساحة واسعة جداً من أدعية أهل البيت (ع) – ومن ذلك أدعية الزهراء -عليها السلام- وقد ورد في أحاديثهم (ع) تركيز وتأكيد كبيران على هذه الصلوات ،والسبب واضح هو أن الله تعالى يريد أن يجعل من الدعاء وسيلة لارتباط المسلمين بأولياء أمورهم واعتصامهم بحبل الولاء الذي جعله الله عصمة للمسلمين ،والصلوات من أهم أسباب هذا الارتباط النفسي فإن حلقات الولاء ممتدة بين الله تعالى وعباده ،وولاء الرسول (ص ) وأهل بيته (عليهم السلام) من أهم هذه الصفات.
ب. السجع والتوازن : وهو سجع غير متكلف في الصياغة يأتى على السليقة والبديهة ،ويؤدي إيقاعاً منتظماً ، وهو سمة مميزة للدعاء،ولعل السر الفني وراء ذلك يكمن في طبيعة عنصر التلاوة التي يمتاز بها الدعاء عن غيره فالدعاء لا يُسمع ولا يُقرأ فحسب بل يُتلى فالتلاوة تتطلب إيقاعاً متناسباً مع وحداته الصوتية التي تنتظم في السجع أو التجانس اللفظي.
ت. استعمالها جناس الاشتقاق، لبعث الأمن والطمأنينة في نفس الداعي حينما يكون في رحاب المدعو الرحمن الرحيم ، الغفور الودود .
ث. تأثرها بالبلاغة القرآنية والأشكال الفنية القرآنية التي حكاها الله تعالى في كتابه المجيد على ألسنة الصالحين من الأنبياء والملائكة المقربين والعباد المؤمنين فقد اقتبست السيدة الزهراء آيات من الذكر الحكيم.