البحث او المقال
انتهاكات حقوق الانسان في مظلومية الزهراء عليها السلام
الدكتورة عامرة البلداوي
بحث مقدم الى
المؤتمر السنوي التخصصي حول فكر السيدة الزهراء (ع)
الدورة الثامنة
2015م – 1436 هـ
مقدمة
ننعم اليوم بمنظومة تحفظ الحقوق وتدافع عنها دوليا وقد يكون هذا نتاج جهد البشرية منذ بدء الخليقة فأنتهاك الحقوق ولد مع ولادة اول كائن بشري على هذه الارض , ولايظن من يقرأ او يكتب او يشهد قضايا انتهاك حقوق الانسان انها نتيجة تعقيدات النظم وسياسة الحكام الدكتاتوريين في عصرنا الحالي ..كلا انها سلسلة متصلة من الظلم والتعسف والاكراه وغصب الحقوق , ولعل بعض تلك الظلامات استمرت الى يومنا هذا , ومن ابرزها بل وأولها مظلومية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي بنت الرسول الخاتم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله , وهي زوج أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن ابي طالب عليه السلام , وهي أم ريحانتي رسول الله (ص) والامامين ان قاما وان قعدا الحسن والحسين عليهما السلام فقد صح عليها (ع) قول ولدها الحسين عليه السلام عندما قال في يوم عاشوراء ((أما أنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي)) (9) كذلك الزهراء عليها السلام فليعلم من ظلمها ومن رضي بظلمها انهم لن يهابوا ظلم احد بعدها , وما انتشار الظلم واستسهاله الا من تداعيات تلك الجرأة على بضعة الرسول (ص) .
ان حقوق الانسان هي تلك القيم والحرمات المرتبطة طبيعيا بجوهر الانسان والمتأصلة بدوام كرامته ولايمكن ان يفصل بينها وبين الانسان وقد تم التعبير عنها بشكل مطالب مشروعة لما ينبغي او يجب ان يكون , ويعتبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة اللبنة الاولى لأساس قوي من مشروع عملي متكامل تمكن من صياغة اطار لحقوق متعددة يملكها الانسان بحكم وجوده الشخصي والاجتماعي (4) , وقد مرت تلك الحقوق بمسيرة طويلة لبلوغ الصياغة النهائية حيث بدأت بالمطالبات بالاحترام وقمع تلك المطالبات وما يتصل بهما من ممارسات واحداث , فضلا عن دور السلطة وعلاقتها المحورية بحقوق الافراد أذ ان السلطة عادة هي المنتهكة لحقوق الانسان ومن هنا كانت المطالبات مرتبطة بالسلطة ولها دور كبير في الاستجابة او الحرمان , سنركز في هذا البحث عن ابرز ماانتهك من حقوق الزهراء عليها السلام والتي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومستنبطين من خلاله حجم الأثر على نفس وشخص الزهراء (ع) مع استعراض الآليات التي اتبعتها الزهراء (ع) في مواجهة تلك الانتهاكات وما خلفته من دروس وعبر ومنهج سار عليه الائمة الاطهار عليهم السلام من بعدها .
يهدف البحث الى أبراز واقع الانتهاكات من وجهة نظر أممية لغرض التعريف بحجم المظلومية التي تعرضت لها الزهراء (ع) وما خلفه هذا الظلم من تداعيات على الامة , مع وصف دور الدول في منع تكرار مثل تلك الانتهاكات على مواطنيها . وان غصب الحقوق الذي مايزال شائعا الى يومنا هذا برغم مؤسسات وهيئات الدفاع عن حقوق الانسان هو السبب في تراجع الامان الانساني والتنمية البشرية وتصاعد وتيرة الارهاب .
حق التملك
لقد ذكر هذا الحق مرات عدة في الوثائق الأممية لحقوق الانسان فقد جاء في المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان أن:-
( 1 ) لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره
( 2 ) لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً
كما ورد في الفقرة (ج) من المادة (16) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمعروفة بمختصر (سيداو) ان الاتفاقية تضمن (( نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والأشراف عليها وادارتها والتمتع بها والتصرف فيها سواء بلا مقابل او مقابل عوض ذي قيمة ))
كما بينت المادة (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأن (( تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد))
ورب سائل يسأل ماهي أملاك الزهراء (ع) ومقتنياتها فهي من اهل بيت عاش الزهد والتقشف حيث كانت عليها السلام تطحن بالرحى وتكنس الدار وتوقد تحت القدر, وتقوم بشؤون بيتها بنفسها (7) وكم حدثنا التاريخ واحاديث ائمة اهل البيت عليهم السلام بأنها عليها السلام وأسرتها باتوا ثلاث ليال جياع في شهر رمضان لتقديم مالديهم من طعام (وهو قليل جدا) لمسكين وفقير ويتيم حتى شعرت مولاتنا والحسنين عليهم السلام بالضعف (8,7 ). ولكن من المهم ان نستعرض ماهي ؟ومن اين ؟وكيف ؟ كانت تتصرف بأملاكها منذ عهد النبي (ص) لحين نزع الملكية عنها
ممتلكات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
لقد كان لرسول الله (ص) ممتلكات من الهدايا او الفيء او غنائم الحرب , قد اصبحت في ملكيته حسب ماورد في القرآن الكريم سنذكرها بالتفصيل حسب سردها من قبل الكاتب عبد الزهراء عثمان محمد (5)
الممتلكات هي :- 1- الحوائط السبعة في المدينة المنورة : والحائط هو (البستان المسيج) وقد أهداها الى رسول الله (ص) أحد علماء اليهود بعد أسلامه ويسمى مخيريق حيث أوصى ان تكون أمواله لرسول الله (ص) , وتلك البساتين هي ( الأعواف , الصافية , الدلال , الميثب , برقة , حسنى , ومشربة أم ابراهيم التي كانت تقطنها مارية القبطية جارية رسول الله (ص) . وقد أوقف الرسول (ص) تلك الممتلكات ماعدا الصافية وجعلها صدقات تصرف مواردها في سبيل الله وفي مصالح المسلمين ابتداءا من السنة السابعة للهجرة .
2- ماوهبه الأنصار للرسول (ص) من اراضيهم :- وهي كل ارض لايبلغها الماء , يفعل بها الرسول (ص) مايشاء .
3- أرضه من اموال يهود بني النضير :- وهذه الارض مما افاء الله على رسوله خاصة , ممن لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب كما جاء في الآية الكريمة (*1).وكان الرسول (ص) يتصرف بها تصرف الملاك في املاكهم , وينفق منها على أهله , ويهب منها مائشاء لمن يشاء وقد وهب منها شيئا لأبي بكر و لعبد الرحمن بن عوف , وابي دجانة , وسماك بن خرشة الساعدي , وغيرهم في العام الرابع للهجرة.
4- ممتلكاته من خيبر :- خيبر من قرى اليهود الكبيرة الغنية وتقع خارج المدينة لمن يقصد الشام وكان يقطنها يهود متشددون وتشتمل على سبعة حصون (او ثمانية ) وكانت ذات مزارع ونخل كثير , وقد سقطت بعض حصونهم بالقوة وقد قسمها رسول الله (ص) بين المسلمين وأخذ خمسه ,ومنها ماسقط من ارض يهود خيبر دون قتال فكان مما افاء الله عليه تعالى على رسوله (ص) دون المسلمين. وهكذا صار نصف خيبر لرسول الله (ص) وهذه الارض أقطع النبي (ص) قسما منها لأزواجه كما كان يقسم غلات الاراضي التي امتلكها من الخمس على اصحابها من المساكين وذوي القربى وغيرهم , وماعدا ما وهب كان ملكا خالصا لرسول الله (ص) ينفق منه كيف يشاء .
5- وادي القرى :- وادي يقع بين المدينة وبلاد الشام وسمي بهذا الاسم لكثرة مافيه من القرى التي كانت تسكنها قبائل يهودية. وهي من الاراضي التي حصل فيها قتال وعليه فللرسول خمس هذا الوادي
6- سوق مهزوز :- كان واديا في العالية من المدينة المنورة وكان يسكنه يهود بني قريضة واصبح سوقا , وقد نقض بنو قريضة ميثاقهم مع النبي (ص) بعد هجرته الى المدينة فحاصرهم فصالحوه على مغادرة ارضهم واموالهم.
7- دار أمه آمنة بنت وهب ودار زوجته خديجة الكبرى
8- قرية فدك :- وهي قرية تقع خارج المدينة وفيها نخل كثير وعين ماء فوارة , وقد دعا أهل فدك (اليهود) الى الاسلام فخافوا وأرسلوا الى الرسول (ص) بأن لهم رقابهم ونصف أرضهم ونخلهم ولرسول الله (ص) النصف الآخر من الارض بنخيلها ...فكان نصف فدك لرسول الله (ص) لأنه لم يوجف عليها بخيل ولاركاب , وعندما أنزل الله تعالى عليه قوله ((وآت ذا القربى حقه)) وهب الرسول (ص) حقه من فدك لأبنته الزهراء (ع) وقد كانت عليها السلام تتصرف بما ملكته كيف تشاء فقد عينت الزهراء عليها وكيلا عنها وعمالا لأدارة شؤون ملكيتها تلك وكانت تنفق غلتها على شؤونها منذ ربيع الثاني 7 هـ وحتى الاسبوع الاول من وفاة رسول الله (ص) عام 11 هـ
من خلال ماتم سرده اعلاه يتبين ممتلكات النبي (ص) وكيف كان يتصرف بها وينفقها ولمن وهبها في حياته , كما يتبين كيف تعامل الرسول (ص) مع ابنته كراشدة وكأنسانة فلم يتدخل بملكيتها ولم يضع عليها الشروط ولم يتحكم فيها , كما ان زوجها علي بن ابي طالب (ع) لم يتدخل بملكيتها ولم ينتزعها منها ولم يفرض عليها ان يكون هو وكيلا عليها او يضع من قبله وكيلا وعمالا بل تركها تتصرف بمالها بحريتها وتتصرف بما يعود عليها من مال في الابواب التي تشائها وتراها , كانت حقوقها كاملة وحريتها غير منقوصة في ظل والدها الرسول صلى الله عليه وأله , وقد تمتعت بحقوقها الاقتصادية بحسب ماكان متبعا في ذلك الوقت .
أوامر مصادرة الممتلكات
بعد وفاة الرسول (ص) بأيام قلائل وأستيلاء ابو بكر على السلطة بأستحصاله البيعة من الناس ولما يزل جسد الرسول (ص) لم يغسل , صدرت قرارات اقتصادية و أوامر بالسيطرة على كافة ممتلكات آل النبي (ص) ومصادر تمويلهم وهي قرارات سياسية اكثر منها اقتصادية , كان المقصود منها تجريد بني هاشم من الامكانات المالية وشل قدرتهم على القيام بأي عمل سياسي يقتضي اي تمويل مالي حيث تم مصادرتها من قبل حكومة خلافة الصحابي ابي بكر بعد رسول الله (ص) وتأميمها ضمن عملية تأميم لجميهع ممتلكات الرسول (ص) . والغريب في الامر ان قرار التأميم والمصادرة لم يشمل ماوهبه الرسول (ص) لبعض اصحابه ومنهم عبد الرحمن بن عوف وابي بكر نفسه , وأزواج الرسول (ص) ألا ماوهبه لأبنته فاطمة (فدك) حيث شملها قرار المصادرة وكل ماتركه النبي من اموال سواء بالهبة او الخمس او الفيء والتي تعد الزهراء (ع) وريثة شرعية لتلك الاموال والممتلكات التي أطلق عليه اسم (صدقات النبي ص) انسجاما مع حديث للصحابي ابي بكر نسب الى رسول الله (ص) ((أنا معاشر الأنبياء لانورث ماتركناه صدقة )) (6) . ومما يؤكد ان القرار كان سياسيا محضا الغرض منه تجريد آل الرسول وبيت علي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء (ع) حصرا من سلطة المال والمقدرة المالية التي قد تمكنه حسب تصورهم من جمع الناس وقيادة ثورة على حكمهم الذي بالكاد تم وضع لبناته ولم يقوى بعد , هو ما أستند اليه الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه (فدك في التاريخ) من ان تلك الارض كانت تدر ارباحا وافرة وان عمر بن الخطاب أشار على ابي يكر بعدم تركها لفاطمة الزهراء (ع) لضعف المالية العامة للدولة ولحاجتهم لتمويل مايهدد الامة من حروب الردة وثورات العصاة (6) , مع ان ماتملكه الزهراء هو نصف فدك فقط حسب مااشرنا اليه آنفا .
موقف الزهراء (ع) من غصبها حقها في فدك
روي انه خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام قائلا ((من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ))(5) , لكنهم غصبوا الخلافة وغصبوا فدك , الا ان الصدّيقة الزهراء فاطمة (ع) لم تقف أمام غصب الخلافة والتعدي على حقّ زوجها والاستيلاء على فدكها مكتوفة الأيدي وكان لها مواقف مختلفة ارسلت من خلالها رسائل متعددة مازالت الى يومنا هذا محل بحث وتقصي ودراسة , الا اننا نود من خلال هذا البحث ان نقرأها قراءة تنسجم مع العصر الحالي وتصلح ان تقتدي بها النساء لا بل هي قدوة الرجال ايضا
البعد المدني في مقاومة الزهراء للأنتهاك ومطالبتها بحقوقها :-
خرجت الزهراء عليها السلام من منزلها وهي القائلة (( خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها)) من أجل استرجاع الحقوق المغصوبة التي استولت عليها حكومة ابن أبي قحافة , ولم يكن تحركها الا حملة مناصرة لحشد التأييد حيث قادت الزهراء تلك الحملة واستخدمت وسائل الترويج والاعلام والتذكير بزمن الرسول (ص) الذي مازال حاضرا في اذهان شعب المدينة لفضح الغاصبين وكشف المستور وتوعية المجتمع , فحسب روايات متواترة انها عليها السلام خرجت الى المسجد مع مجموعة من النساء من قريباتها ونساء قومها في تجمع او تظاهرة استنكار , للفت الانظار الى المطالب ولأشاعة الامر مابين النساء والرجال في المدينة , وانها عندما ظهرت للناس ذاهبة إلى المسجد النبوي الشريف وتحدثت بحديثها ذكّرت الناس بسيرها ومشيتها التي كانت مشابهة لمشية الرسول صلى الله عليه واله وحديثها وصوتها وطريقتها كل هذا له الأثر في شحذ الهمم والعواطف معاً (6) . وربما ينقصنا اليوم استخدام هذه الوسائل في طرح القضايا محليا ودوليا , فمازال الجانب الشكلي لم يراعى عند الحديث عن المظلومية خاصة في المحافل الدولية التي تعرف القليل جدا عما قاساه شعب العراق بل ماقاساه شيعة العراق تحديدا , وكذلك بالاستعانة بمواد القانون ، وبالدستور ، وبالمعاهدات والمواثيق الدولية وغيرها , فلكسب قضايا الأمة لا يكفي الحديث دون الأدلة الدامغة كأجوبة على مدعيات المقابل , فالزهراء عليها السلام وان لم تسترجع فدك ولكنها جعلت الخليفة أبو بكر يبكي ويقول (( أقيلوني بيعتي)) اعترافاً منه بالخسارة . وقد خطبت (ع) في المسجد مركزة حديثها على الحاضرين مصوبة حديثها كأطلاقات الرصاص الى من استهدفتهم , فقد روى عبد الله بن الحسن بأسناده عن آبائه عليهم السلام قال : انه لما اجمع ابو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك ,لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها , تطأ ذيولها ماتخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنّت أنّة اجهش القوم لها بالبكاء فأرتج المجلس ثم امهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله (ص) فعاد القوم في بكائهم فلما امسكوا عادت في كلامها , فخاطبت المجلس اولا , ثم توجهت مخاطبة ابي بكر , ثم وجهت حديثها الى الأنصار وعندما انتهت دار حوار بينها وبين ابي بكر .وقد فندت حجة ابي بكر في غصبها أرثها وممتلكاتها قائلة ((ياابن ابي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ اذ يقول ((وورث سليمان داود)) , وقال , فيما أقتص من خبر يحيى بن زكريا أذ قال (( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب )) وقال (( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )) وقال (( ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)) , وزعمتم : أن لاحضوة لي ولا أرث من أبي , ولا رحم بيننا , أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون : أن اهل ملتين لايتوارثان ؟ أولست انا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم انتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي ؟ (6,5,3,1 ) . فكان فيما قالت استعراضا للحجج وتفنيدا علميا من كتاب الله تعالى لمدعيات الغاصبين .
كما ان فاطمة وعليا عليهما السلام استمرا في اسلوب جمع المناصرين لأسترداد الحق المغصوب الذي مظهره أرض فدك وجوهره غصب الخلافة التي نص عليها وهيأ لها رسول الله (ص) في حياته في حادثة شهدها كل من ابي بكر وعمر وهي الدعوة لتنصيب علي بن ابي طالب خليفة ووصيا لرسول الله (ص) في يوم غدير خم ,وبادرا الى مواجهة الناس والقاء الحجة عليهم فردا فردا وبيتا بيتا , فقد قام علي بحمل فاطمة على حمار وممسكا بالحسن والحسين (ع) وسار بها ليلا الى بيوت المهاجرين و الانصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له فلم يجيبهم الا اربعة واربعون رجلا , فأمرهم ان يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت , فأصبح الصبح ولم يوافه منهم احد غير أربعة اشخاص هم (سلمان والزبير بن العوام وابي ذر والمقداد (3) وفي رواية عمار بن ياسر بديلا عن الزبير (5) , ثم عاد فناشدهم في الليلة الثانية , ثم عاد اليهم في الليلة الثالثة ولم يجد الا هؤلاء الاربعة , ثم ان علي (ع) ناشد بقية اهل بيته فأبوا الا السكوت لما علموا من حقد وضغينة القوم وقد كان الهدف من هذا التحرك ان يوفرا مستلزمات النصرة وان يلقيا الحجة على التحالف القبلي الظالم الذي ترك وصايا النبي (ص) ضهريا .
ثم ان عليا (ع) طلب من الذين نصروه ان يذهبوا ويعرفوا ابا بكر ماسمعوه من قول رسول الله (ص) في حق علي (ع) ليكون الامر اكثر حجة وابلغ فذهبوا اليه وذكروه وتكلم كل واحد بما علم وماسمع عن رسول الله (ص) حتى افحموه ولم يحر جوابا وقال ((وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني)) (3)
ومن مظاهر البحث عن النصرة وفضح الظلم وغصب الحقوق الخطبة الثانية للزهراء (ع) في جمع من نساء الأنصار جئن لزيارتها حيث حركت المشاعر وحثت على فهم الواقع وابراز معالم الحق , فأعادت النساء قولها (ع) على رجالهن فجاء اليها قوم من المهاجرين والانصار معتذرين , وقالوا : ((ياسيدة النساء , لو كان ابو الحسن ذكر لنا هذا الامر قبل ان يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه الى غيره )) , فقالت عليها السلام : (( اليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم , ولاامر بعد تقصيركم )) (1)
وقد كان السيل جارفا والخطط جاهزة للأستيلاء على الحكم بالقوة وأزالة كل الموانع والمعوقات وأهمها مايمكّن علي (ع) وأهل بيته من جمع الناس حولهم , فقد عمل كل من ابو بكر وعمر على فرض الاحكام العرفية بنزول جيش من أربعة آلاف رجل (3) بأسلحتهم واستعدادهم يتقدمهم عمر بن الخطاب واقفين بمسجد رسول الله (ص) ووقف عمر يتوعد ويهدد بالقتل من يعترض أو يحاول أثارة البلبلة . وفي ظل هذه الاحكام العرفية التي لاتفهم الا صوت السيوف لن يكون هناك مكان للمبادرات السلمية والآليات المدنية المتحضرة والعاقلة , فقد جن جنون القوم وأعمت نواظرهم السلطة
حق الحماية من التدخل التعسفي والمعاملة القاسية
كفل كل من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حماية الفرد والاسرة من مجموعة الممارسات القاسية والتي تتمثل بالعنف واستخدام القوة والتأثير على حريتهم وكرامتهم وسلامتهم وامنهم عن طريق جملة مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان نذكر منها :-
أ- المادة (3) (( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه ))
ب- المادة (5) (( لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ))
ت- المادة (7) (( كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا ))
ث- المادة (12) ((لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ))
كما نذكر المواد الآتية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية :-
المادة (2) -3–أ :- ((تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد: بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية ))
المادة 9 – 1:- ((لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه ))
المادة 17-1 :- ((لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته))
2:- ((من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس))
تتحدث مجمل المواد اعلاه عن حق الانسان في ان لايتعرض لأي تدخل في اسرته او بيته مما يسلب حريته او أمانه الشخصي , وفي مجمل هذه الحقوق فأن انتهاك الاسرة والتعرض لحرمة البيت والاعتداء على حرية الافراد والاسر وتعريض أمانهم للخطر يعد من مسوغات التظلم حتى وان كانت تلك الافعال قد جاءت من جهات رسمية . وعودا على قضية الزهراء عليها السلام فأن ماحدث عليها من انتهاكات تجاوزت التعرض لحرمة البيت والاسرة وتجاوزت تعرض أمانها للخطر فقد تواترت الروايات على ان بعد التخويف وفرض الاحكام العرفية وانزال الجيش الى الشوارع وهم يحملون سيوفهم بأيديهم , ان عمرا كان يحضر الناس الى المسجد لمبايعة ابي بكر , ولم يبق الا علي (ع) واهل بيته فأقبل عمر وطالبه بالخروج للمبايعة فأبى عليه السلام فدعا عمر بحطب ونار وقال (( ليخرجن أو لأحرقنه على مافيه )) فقيل له ((ان فيه فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار الرسول (ص)) فلما عرف انكار الناس منه هذا الفعل تراجع قائلا ((مابالكم أتروني فعلت ذلك انما اردت التهويل )) (5) . وهاقد اعترف بنفسه انه اراد التخويف والقاء الذعر في نفوس اهل بيت النبوة (ص) والبيت فيه ريحانتي رسول الله (ص) وهم مازالوا صغار السن وفيه سيدة النساء التي وجب على الخلق اجمعين اكرامها واحترامها وتقديرها حيث لم يمض على وفاة الرسول ايام قليلة حتى انتهكت حرمة بيته واسرته وتم ارهابهم وتخويفهم ولم يكتفي بذلك بل أضرم النار في باب البيت ودفع الباب ودخل بغير استأذان او مراعاة لحرمة على رواية سليم بن قيس الهلالي (3).
وقد تعرضت مولاتنا الزهراء عليها السلام لأهانة كرامتها العالية والغالية عند ابيها الرسول (ص) وتعرضت للضرب والمعاملة القاسية وانتهكت كل الحقوق المحترمة والمكفولة للأنسان , فقد رفع عمر السيف (وهو في غمده) في وجهها ووجأ به جنبها ورفع السوط فضرب ذراعها وهي بأبي وأمي تصيح وتنادي اباها ((يارسول الله لبئس ماخلفك ابو بكر وعمر )) (5,3,1)
لقد قام عمر وابو بكر بالانتهاكات الاتية (المعاملة القاسية , المعاملة الوحشية , المعاملة الحاطة بالكرامة والمهينة , التدخل التعسفي والارهابي في الاسرة وفي البيت , تهديد الحياة بحرق الباب , تهديد الحرية الشخصية بمداهمة البيت بدون استئذان , التعرض للعنف الجسدي بالضرب بالسيف والسوط (1), التعرض لأذى جسدي ترك آثارا على جسد الصديقة الطاهرة بكسر ضلعها نتيجة عصرها (ع) بالباب (1,5) , التعرض لأذى جسدي ادى الى اسقاط جنينها (1,5) , لم تحصل على حماية من القابضين على السلطة ( ابو بكر الذي حصل على مبايعة كل رجال المدينة ماعدا علي بن ابي طالب والاربعة الذين ناصروه) .. فأي ذنب اقترفت سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين حتى تنتهك حقوقها وتعامل بهذه الطريقة ...
موقف الصديقة الزهراء (ع) من هذه الانتهاكات :- قد يظن البعض ان الزهراء قد انكفأت في بيت احزانها بعد خطبتها المشهورة في المسجد النبوي وان ماروي عن كثرة بكائها الذي ازعج البعض فابتعدت عنهم في بيت الاحزان وظلت لاعمل لها الا البكاء وزيارة قبر ابيها باكية شاكية له فيه الكثير من قلة الانصاف لمواقفها الشجاعة بل والبطولية في اكثر الاوقات حراجة , ابتداءا لايوجد فصل بين شعور الزهراء بالحزن والغضب وضرورة المواجهة في آن واحد . فمنذ البداية أصرت حكومة ابو بكر على استخدام القوة وتصفية او تحييد المعارضين فمنهم من اشترت مواقفهم بالمال والمشاركة بالسلطة ومنهم من هددتهم بالقوة (5), ولم يبق الا بيت علي وفاطمة , وقد قرر أمير المؤمنين (ع) بعد ماعرفه من قلة الناصر وما آلت اليه الاحداث ان يتفرغ بعد دفن النبي (ص) لكتابة القرآن , في ذلك الوقت الذي داهمت دار فاطمة قوة على رأسهم عمر مبادرين بحرق الباب , فلم تقبع في الدار مولولة لاحيلة لها بل على عهدها في فضح المواقف والقاء الحجة والتذكير بعظيم مايقترفون وبشأنها وموقعها وقرابتها من رسول الله (ص) فأطلقت صيحتها من وراء الباب قائلة (( يابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟؟)) فقال :نعم , فأعادت سؤالها (( يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟)) تأكيدا منها لمن يسمع من الناس المجتمعين في الخارج يراقبون ماسيحدث , وما خروج فاطمة الى الباب لمواجهة موقف كهذا الا لتكمل مابدأت به من موقف مقاوم فضلا عن تاكيد تذكيرها بحرمة الدار على الله ورسوله وهذا يتضح من كونها أعادت السؤال مرتين وعمر يعيد الجواب بأنه (نعم , أو تدخلوا فيما دخلت به الامة) ,فماكان من الزهراء (ع) الا ان نادت بأعلى صوتها ((يابت يارسول الله , ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة ) فلما سمع القوم صوتها وبكاءها أنصرفوا باكين , وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا ومضوا به الى ابي بكر , الا ان الزهراء لم تترك عليا ورافقته الى حيث يجلس الخليفة ابو بكر , وهناك بادرت ابو بكر قائلة (( ياابا بكر مااسرع مااغرتم على اهل بيت رسول الله)) , ويذكر الشيخ المفيد (1) ان فاطمة (ع) قالت (( لاعهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم , تركتم رسول الله جنازة بين ايدينا , وقطعتم أمركم بينكم , لم تستأمرونا , وصنعتم بنا ماصنعتم ولم تروا لنا حقا )) فبهذه الكلمات وبهذه الشجاعة ورباطة الجأش المصاحبين للحرقة والالم والشعور بالظلم واجهت السلطة , عندما سمعها ابو بكر تراجع عن اصراره على أجبار علي (ع) على البيعة , وبذلك ورغم كل التهديدات استطاعت الصديقة (ع) ببسالة موقفها ان تفشل مهمة القوة التي هاجمت دارها (5) .
الحق في منع التمييز ضد المرأة
لقد ركزت الزهراء عليها السلام في خطبتها امام مجلس ابي بكر في المسجد النبوي على أمر في غاية الاهمية وهو دور الاسلام والايمان بالله ورسول الله (ص) في خروج العالم من ظلام القبلية والجاهلية الى نور المعرفة والمدنية والتحضر , قائلة ((وأشهد ان ابي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل ان أرسله وسقاه قبل ان اجتباه , واصطفاه قبل ان ابتعثه , اذ الخلائق بالغيب مكنونة و وبستر الآهاويل مصونة , وبنهاية العدم مقرونة , علما من الله تعالى بما يلي الامور , وأحاطه بحوادث الدهور , ومعرفة بمواقع الامور , ابتعثه الله اتماما لأمره , وعزيمة على امضاء حكمه وانفاذا لمقادير حتمه فرأى الامم فرقا في اديانها , عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها , منكرة لله مع عرفانها , فأنار الله بأبي محمد (ص) ظلمها و وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الابصار غممها , وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية , وبصرهم من العماية وهداهم الى الدين القويم , ودعاهم الى الطريق المستقيم )) (5) , ومن بين مظاهر الجاهلية الانتقاص من شأن المرأة لا لشيء الا لجنسها ولكونها أمرأة , ولم يكن العرب ينظرون إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ، ولم يعطوها درجة من الكرامة ، فهي فاقدة الاستقلال في حياتها ، تابعة لأبيها أو لزوجها ، لا يحق لها التصرف بأ ي شيء إلا بموافقة وليها ، ولا تملك شيئًا ولا ترث حتى لو كان من نتاج عملها بل هي وما تملك لوليها . وليس لها المطالبة بأي شيء ؛ لأّنها لا تذود عن الحمى في الحرب . وزواجها يرجع إلى أمر وليها ، وليس لها حق ابداء الرأي او الاعتراض ولا المشورة (2) .
وكان العربي في الجاهلية يغتم ويضيق صدره إذا ولدت زوجته بنتًا،بينماكان يفرح ويستبشر إذا جاءه ولد ، وأشار الله سبحانه إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : (وإِذا بشّر أَحدهم بالأُنَثى ظَلَّ وجهه مسودًا و هو كَظيم ) (*2) حيث كانوا يعاملونها معاملة حقيرة حتى إّنهم جعلوا صفة الضعف والصغار والهوان ملازمة لها ، واستعملوا كلمة المرأة في الاستعارة والكناية والتشبيه بها عندما يقرع الجبان ، ويؤّنب الضعيف ، ويلام المخذول المستهان والمستذل المتظلم .
قال الشاعر زهير بن أبي سلمى يهجو حصن بن حذيفة الفزاري :
( وما أدري وليت إخال أدري أقومُ آل حصن أم نساء )
وقدأكثر الشعراء في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد، وعجزها عن العمل والمقاومة، في حين أن البنين أقوى منهن ، ويتاح لهم ما لا يتاح لهن (2) . ولعلّ أبرز مظاهر ظلم المرأة في الجاهلية هي مسألة وأد البنات ، تلك العادة القبيحة اللاإنسانية التي كانت واسعة الانتشار في تلك الأيام في الجزيرة العربية عند أهل البادية في الصحراء وفي بعض المدن المتحضرة . في حين بينا آنفا كيف كان يتعامل الرسول (ص) مع ابنته من عدم التدخل في ادارتها لفدك وهي الارض التي منحها اياها , وكيف كانت لها تلك المنزلة الرفيعة والشخصية المستقلة كحالة من الانتقال الى التحضر ووضع المرأة في مكانها الذي تستحقه في الاسرة وفي المجتمع وفي الحياة عامة . وهنا نود الأشارة الى ان الأتفاقية الأممية المعروفة بأتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW ) التي عّرفت التمييز بأنه ((التمييز ضد المرأة ” أي تفرقة أو استبعاد او تقييد يتم على اساس الجنس ويكون من آثاره او أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة بحقوقها ")) ولا اجد في هذا التعريف مايتنافى او يتعارض مع ماجاء به الاسلام من تكريم للمرأة ومنحها الحقوق المساوية للرجل في العديد من المجالات , الا ان الحكومة الجديدة جاءت لتنسخ تلك المفاهيم المدنية والمتحضرة ولتعود بالمرأة الى التمييز السلبي على اساس الجنس وفقط لكونها أمرأة . يروي سليم بن قيس الهلالي (3) بعض تفاصيل الهجوم على دار فاطمة (ع) حيث تم ارسال مجموعتين لأقتحام الدار الاولى كان على رأسها قنفذ وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء ,فأستأذن على علي (ع) فأبى ان يأذن لهم ,فرجع اصحاب قنفذ الى ابي بكر وعمر وقالوا لهم :لم يؤذن لنا . فقال عمر :اذهبوا فأن أذن لكم وألا فأدخلوا بغير اذن . فأنطلقوا فأستأذنوا , فقالت فاطمة (ع) (احّرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير أذن ) فرجع من كان مع قنفذ , فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا , فتحرجنا ان ندخل بيتها بغير أذن , فغضب عمر وقال لهم : (( ومالنا وللنساء )) , ثم عاد عمر في موقف آخر (على رواية سليم بن قيس ايضا) بعد دخولهم عنوة الى الدار وحصل ماحصل من اعتدائهم على الصديقة الطاهرة وماكان من مناداة فاطمة (ع) بأعلى صوتها (( واأبتاه ,وارسول الله ! ياأبتاه فلبئس ماخلفك ابو بكر وعمر وعيناك لم تتفقأ في قبرك )) حيث أبكت كل من كان حاضرا ماعدا عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة , وعاد عمر ليقول ( أنا لسنا من النساء ورأيهن في شيء ) , مما يؤشر لبداية عصر جديد يعود بالمرأة الى عصر الجاهلية واتخاذ سياسة التمييز ضدها على اساس جنسها والنظر اليها بنظرة دونية , وهذا واضح من استسهال رفع السوط بوجه سيدة النساء , والتعامل بوحشية واستهانة بمكانة الصديقة الطاهرة .
الخاتمة
مازال هناك الكثير لم يكتب ولم يجد طريقه للتحليل والدراسة المعمقة في حياة ومواقف الزهراء عليها السلام . وبرغم التقدم العلمي في وسائل البحث وبروز معايير جديدة في الحكم وتداول السلطة ودور المجتمعات على اسس المشاركة والشفافية ومراعاة حقوق الانسان , ودخول مفاهيم الحوكمة والحكم الرشيد وغيرها من مصطلحات العصر الا ان دراسات تحليل حياة ومواقف الزهراء عليها السلام مازالت تفتقر لأدماج تلك المفاهيم والبحث من منظورها بمراعاة المعايير والمصطلحات الجديدة , فكم من البحوث يمكن نشرها عن الفساد المالي والاداري وتأثيره في مظلومية الزهراء (ع) , وكم يمكن الكتابة عن الحكم الرشيد في زمن الرسول (ص) مقارنة بما حدث بعده من أحداث وتسلم الحكم على أثر انقلاب انقلبت معه موازين اسس لها رسول الله(ص) بتنصيبه علي بن ابي طالب (ع) في يوم غدير خم بأمر من الله تعالى (فهو لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ) . وقد حاولنا من خلال هذا البحث ان ننظر الى تلك الحقبة من الزمن وتلك الاحداث المتسارعة والمهولة التي غيرت مجرى التاريخ وماتزال تلقي بضلالها على واقع الامة والشعوب الاسلامية , حاولنا ان نحللها من زاوية انتهاك حقوق الانسان واعتمدنا على الشرعة الدولية وخاصة (الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين ) واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة . ونعتقد ان بناء الدولة يجب ان يؤسس على احترام تلك الحقوق للأفراد ويقاس رقيها بمدى التزامها بأدراك تلك الحقوق والمعرفة بوسائل حمايتها وكيفية تنفيذها وماهو الأثر المترتب على قصور الحماية , وبالرغم من الاشراف الاممي (عن طريق لجان المعاهدات) والمتابعة الدورية عن طريق التقارير التي تقدمها الدول لتساهم في خلق رأي عام ضاغط ومؤيد لأحترام وحماية تلك الحقوق وحقوق الانسان عامة (4) الا ان ذلك لم يمنع من تكرار حالات الظلم والتعسف الذي وقع على أهل البيت (ع) ومازال يعاني منه محبيهم الى يومنا هذا
المصادر
1- الطبرسي , ابي منصور احمد بن علي , الاحتجاج (الجزء الاول) , مؤسسة النعمان للطباعة والنشر, بيروت - لبنان
2- الجواهري , الشيخ حسن (2007) أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي (الطبعة الاولى ) مركز الابحاث العقائدية
3- كتاب سليم بن قيس الهلالي (2011) الطبعة الاولى - الدار العربية بيروت
4- الصافي , صفاء الدين محمد عبد الحكيم (2005) حق الانسان في التنمية الاقتصادية وحمايته دوليا (الطبعة الاولى) منشورات الحلبي الحقوقية
5- عبد الزهراء عثمان محمد (1998 ) الصديقة الزهراء بين المحنة والمقاومة, الطبعة الاولى
6- الصدر , السيد محمد باقر (1979) فدك في التاريخ , الطبعة الثانية, مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قدس سره)
7- الشيرازي , السيد محمد الحسيني (1419 هـ) أمهات المعصومين الاربعة عشر (ع) , (الفصل (4,5) , مؤسسة الانوار الاربعة عشر (ع) الثقافية
8- القزويني , السيد محمد كاظم (1991) فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد , مؤسسة النور للمطبوعات , بيروت –لبنان
9- المازندراني , الشيخ محمد مهدي . معالي السبطين ,( الجزء الثاني) , مطبعة النعمان – النجف الأشرف
(*1)- سورة الحشر (آية 6) (وماأفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب )
(*2)- سورة النحل (آية 58) ( واذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم )