البحث او المقال
نفحات من الخطبة الفدكية
مناسبة الخطبة
على إثر الأحداث المريرة التي شهدتها الساحة الإسلاميّة بعد وفاة الرسول الأكرم(ص)، مثل قضية اغتصاب الخلافة والاعتداء على حق أمير المؤمنين(ع) وغصب فدك من فاطمة الزهراء(ع) والهجوم على دارها، وغير ذلك من الأحداث الأليمة، رأت الزهراء(ع) أن الواجب يفرض عليها أن تقف مع الحق وتقول كلمة الحق. وهكذا خرجت إلى مسجد النبي(ص) ووقفت أمام جموع المهاجرين والأنصار وخطبت بهذه الخطبة القيّمة.
سند الخطبة
الظاهر أنه يمكن حصول الوثوق بصدور هذه الخطبة عن سيدتنا فاطمة الزهراء(ع)، لأنها مشهورة ومعروفة وذكرها المؤرخون القدامى، وقد كان أهل البيت والعلويون يتناقلونها كابراً عن كابر، ويعلّمونها ويحفظونها لصبيانهم، ما يدل على أنها من المسلّمات عندنا، هذا مضافاً إلى أن متنها قوي ومتناسب مع المضمون الفكري الإسلامي.
مضمون الخطبة
إن أهم المسائل التي ركزت عليها الزهراء(ع) في خطبتها هي :
أنها حددت موقفها من الأحداث الطارئة والحادثة بعد وفاة النبي(ص)، لاسيّما في ما يخص الخط الإسلامي الأصيل المتمثل بالإمامة الواعية الشجاعة المنفتحة على الله وعلى الناس والحياة من أوسع الأبواب، والعميقة في فكرها الممتدّ مع الزمن، بحيث لا يكون له ماضٍ أو حاضر أو مستقبل، لأنه فكر الإسلام وحديث الإسلام وهو فكر الحياة الخالد، وهذه الإمامة متمثلة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع).
اختصرت في خطبتها ـ التي هي محاضرة إسلامية تثقيفية غنيّة ـ أصول العقيدة بركنيها الأساسيين، وهما التوحيد والنبوّة، فقد تحدثت عن صفات الله سبحانه وتعالى، ثم تحدثت عن رسول الله وخصاله ومعاناته في سبيل إنقاذهم من الغواية إلى الهداية، كما وتحدثت عن الإمامة ودورها في انتظام الأمّة.
تحدثت بشكل مستفيض عن أسرار التشريعات الإسلامية وحكمها وخصائصها.
تكلّمت عن الواقع الذي حدث بعد وفاة الرسول(ص) وكيف انحرف عن خط الاستقامة والمسار الذي خطه الله ورسوله، وتوجهت إلى الأنصار الذين أحاطوا برسول الله(ص) ونصروه لتؤجج مشاعرهم وتستنهض هممهم وتستنصرهم.
دخلت في قضية إرثها من رسول الله واستحقاقها فدكاً، وناقشت المسألة مناقشة علميّة تفسيرية بكل حجج القرآن ودقائقه وأسراره، ولم تناقشها مناقشة عاطفية، وإنما دخلت في الاحتجاج بالطريقة المميزة كامرأة عالمة واعية قويّة في الحجج وصلبة في المواقف.
الإسلام هو الأساس
وعلى ضوء هذا، إذا استطعنا أن نصل إلى هذا المستوى من فهم التاريخ بحسب أساليب مرحلته، فإننا نستطيع أن ننتهي إلى نتائج حاسمة، أو أن نتفاهم على أساس أن نقرأ المسألة كفكر يواجه فكراً، وربّما نستوحي هذه الروح الإسلامية في حركة الصراع، وهي أن الإسلام كان هو الأساس في ما يتحركون فيه، حتى على مستوى المواصلة والمقاطعة، فنحن نجد أن علياً(ع) ـ وهو صاحب الحق ـ عندما رأى أن مصلحة الإسلام في أن يجمّد المطالبة بحقه ـ لا أن يتنازل عن حقه كما يقول بعض الناس ـ عاون بالرأي والمشورة في حل المشاكل وساعد في كثير من الحالات، لأنه كان يقول :"فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه"[2].
ومن خلال ذلك، فإن أسلوبنا الذي نحرّك فيه قراءة التاريخ وقراءة الكتاب والسنة هو أسلوب يغني الوحدة الإسلامية ولا يضعفها، لأن أسلوبنا في الوحدة الإسلامية هو أن نلتقي على ما اتفقنا عليه في مواجهة الذين يخالفوننا ويريدون أن يسقطوا الإسلام، وأن نتحاور بالتي هي أحسن في ما اختلفنا فيه، وأن لا تكون أفكارنا متحركة في الحوار من موقع غرائزنا، بل من موقع عقولنا الباحثة عن الحق أياً كان الحق. فلا مجال لأن يقال إنّه يلزمنا التغاضي عن التاريخ لمصلحة الوحدة الإسلامية.
مصادر
^ من أقدم المصادر التي ذكرت خطبة الزهراء(ع) كتاب بلاغات النساء لابن طيفور، ص:23، والاحتجاج، ج :1، من ص:97 إلى ص:107، طبع مشهد المقدسة 1403هـ. وراجع مسند فاطمة، ص:557. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج :16، ص:211ـ249. وعوالم الزهراء، ص:467، وبحار الأنوار، ج:43، ص:148.
^ نهج البلاغة، الكتاب:62.