الحسين منبراً للوجود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد هذا مقالي حول بعض من مقتطفات في حياة الحسين عليه السلام إذا وصلكم أخبروني ووفقتم لكل خير
الحسين منبراً للوجود
من وحي المنبر عرفت الطريق واستلهمت الذات ، وصرت أبحث عن الحياة ، فوجدت أنواراً من منبر الوجود ،فأبحرت فيها وبمنبر الخلود، فوجدتها أنواراً محمدية اختلفت بجمالها وإشراقتها ، فكانت تعانق أرواحنا وقلوبنا وتدغدغ مشاعرنا بكل هدوء وطمأنينة ، وكان ذلك حينما عرضت علينا ونحن أرواح لم نخلق وكنا بين الماء والطين، وحينما كنا نتنقل من عالم إلى عالم آخر في تلك العوالم والمراحل التي مررنا بها ، ظللتنا تلك الأنوار ولم تغب عنا أبداً فبذلك عشقناها وبالخصوص النور المحمدي الحسيني ، وذاك النور الأزلي الملكوتي المخلوق من نور الإله جل جلاله الذي به عجنت طينتنا من فاضل طينة تلك الأنوار كما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام " شيعتنا خُلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا " ومن جملة تلك الأنوار التي هيمنت على تلك القلوب وهامت بعشقها أرواح العالم أجمع هو نور الحسين الذي ما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا ووقف عند هذا النور الذي أخذ بلب العقول وأحدث فيها كيان الوجود ، وقال يا رب ما هذا النور وهذا الاسم الذي كلما ذكرناه كان له هيمنة عظيمة وتخشع له أرواحنا ، من هنا ندرك حقيقة التخطيط الإلهي الذي جرى في إشراقة نور النبي محمد صلى الله عليه وآله الذي انبثقت منه تلك الأنوار والتي تجلّت بمولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام سر الوجود والخلق المكنون في السماوات والأرضون وبأمير المؤمنين عصمة المتقين وولاية رب العالمين انبثق منهما نور الحسن والحسين عليهما السلام .
نحن لا ندرك عظمة الحسين عليه السلام ولا نصل إلى إدراكها أبدا ، لأن ما كان من الحسين نور يفيض علينا ونرتشف منه لندرك بعض من جوانبه ، وإلا فنحن من حتى نبحر بحق نور مخلوق من جمال الباري عزوجل ؟!
عجز قلمي عن الكتابة وتحير عقلي بما أكتب وكما قال الله تعالى في محكم كتابه " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً"
في مقالتي هذه أحببت أن أقف كيف بدأت مسيرة الحسين عليه السلام وكان لها هذه الهيمنة المسييرة إلى يوم القيامة من خلال هذه الحادثة التي تجلت ف عالم الذر بين الأرواح من روح المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين روح الحسين عليه السلام بالخصوص حين قبل الشهادة في عالم الذر تجلت قدرة الباري بأن يكون للحسين هذه الهيمنة العظيمة والسيطرة القوية على القلوب والعقول وعلى كل المخلوقات من إنس وجن ، سيطرت وهامت به سلام الله عليك يا أبا عبدالله ضحيت بنفسك وبروحك وبأهل بيتك وأنت نور مخلوق وعبد مرزوق ، ومنها نبين كيف قبل الحسين الشهادة وحصل عليها وهو بعالم الذر وكيف كانت له ..
بعالم الذر مراحل وأحداث تجلت لإظهار نور الحسين عليه السلام ونور الإمامة الحسينية من نور آخر الأنبياء فكانت للحسين منه هذه المنزلة العظيمة فكان النور المخلوق هو أول من نهل رحيق التصديق وأجاب على الحقيقة والتحقيق وشرع سُنّة السبق إلى قول ( بلى )هو : الحقيقة المحمدية ، والرحمة الأزلية ، فهو أول ما خلق الله وهو في هذا العالم وأول ما أجاب الله .
حيث إنّ بعض قريش قال لرسول الله صلوات الله عليه بأي شئ سبقتَ الأنبياء وفُضّلتَ عليهم وأنت بُعثتَ آخرهم وخاتمهم ؟ قال صلى الله عليه وآله : أني كنت أول من أقرّ بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين(وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى ( فكنتُ أول نبي قال : بلى ، فسبقتهم إلى الإقرار بالله عزوجل ، وهنا ربط خفي بين نور النبي والحسين تتبين حقيقته حينما سبق محمد وال محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخلائق في إجابة نداء الحق تعالى، هنا غمرهم النور الإلهي فسطعت جميع ذرات وجودهم في غيبهم وشهودهم ، فأمر الله جميع الخلق ان يقروا بجلالتهم وعظمتهم ، هنا في ذاك العالم حينها سطع نور الحسين الذي كان في النبي محمد لسبقه للإقرار بالله.
حدث في ذلك العالم ما لا يخفى علينا في عالم الدنيا أنه حينما رأت الاستعدادات الخبيثة مقام آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ومرتبتهم غلب عليهم الحسد وامتلأت قلوبهم بغضا وعداوة لهم كما قال الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى : "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ" فقال : نحن الناس المحسودون .
ومن هذا الحسد والعداوة تراكمت الظلمة وطبقت على ذلك العالم ، فنادى منادي الحق : من يرفع هذه الظلمة لا بالقهر والغلبة بل بالمظلومية والمقهورية ، يعني بالشهادة الكلية ،فقالوا إلهنا وما الشهادة الكلية ؟ قال : الغربة عن الوطن ، وتحمل البلايا والمحن ، وتحمل القتل عطشا ، والنظر إلى مصارع الأصحاب والأولاد والأخوة ، وسماع السبّ من الأعداء ، وسلب الأموال ، وسبي النساء والذرية يطاف بهم في الأسواق وينظر إليهم الأجانب ، ويوضع الرأس في طشت من ذهب في مجلس الشراب ويقرع بعود الخيزران ، وتستوهب ابنته لتكون أمة ، وسلب الخمار من رأس الأخوات ، وموت الأطفال من العطش ، وإصابة الطفل الرضيع ـ لستة أشهر ـ بسهم في النحر ، والنظر إلى أيدي الأخ مقطوعة ، وهامة الشاب ذي الثمانية عشر سنة مفلوقة ، وسماع أنين الأطفال وهم ينادون : العطش العطش ، وفصل الرأس عن البدن من القفا باثني عشر ضربة ، وسلب البدن وتركه عريان تصهره الشمس ، وإجالة الخيل عليه.
وفي رواية عن الامام محمد التقي أنهم سكتوا ولم يردوا جوابا ، فنودوا مرة أخرى فلم يجيبوا ، فجاء نداء عظيم في المرة الثالثة : من لهذا العمل ؟ ومن المشتري والحامل لهذا الثقل ؟أي من المتقبل لهذه الشهادة الكلية ؟ لأعطيه لواء الشفاعة الكلية يوم القيامة فيُخرج العصاة من نار جهنم ويدخلهم الجنة ؟ فلم يجب أحد إلا صاحب القبا المطرز بالدما في صحراء كربلا الامام أبي عبد الله عليه السلام مهيمن الأرواح وساكب الدمعات فقال : يا إلهي وسيدي ومولاي أنا أحمل هذا العبئ وأنجز هذا العمل ، أي إني أقدم في سبيلك الروح والمال والعيال والأولاد وأتحمل كل المحن والبلاء وافتدي هؤلاء المذنبين فلا يدخلوا جهنم . وفي رواية أخرى قال سلام الله عليه رحيم هذه الأمة : لما قال : أنا أشتريهم ، جاء النداء : يا حسين بم تشتريهم وتشفع لهم وتعتقهم من النار ؟ قال : بكل ما هو أعز عندك .
فجاء النداء : لا شئ أعز عندي من الروح ، فقال : أقدم روحي وأشتري الأمة .
فجاء الخطاب : بروحك تشتري الرجال ، فبما تشتري النساء ؟ قال : أقدم نسائي وبناتي للأسر في سبيلك يطاف بهن في البلدان.
فجاء الخطاب : بما تشتري شبابهم ؟ قال : أقدم شباني ليقتلوا في سبيلك .
فجاء الخطاب : بما تشتري أطفالهم ؟ فقال : أقدم طفلي الرضيع ليقتل عطشانا بسهم يذبحونه به من الوريد إلى الوريد. فأخذ رب الأرباب ميثاقا منه وكُتِب الميثاق في صحيفة ودفعت إلى رسول الله ص ليختمها ، فلما قرأها النبي ص تغير لونه حتى بان أثر الدم في وجهه ، وبكى بكاءاً شديدا ، وقال : رضيت بما رضي الله لنا نصبر على هذه المصيبة لان فيها ترويج الدين وشفاعة المذنبين ، فختم تلك الصحيفة وعيناه تهملان دموعا ..
من هنا ندرك حقيقة الحسين وكيف تحمل الشهادة وهو في عالم الذر وحينما قال " إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني " من موقف الحسين عليه السلام وهو بعالم الذر صرت أرى الرحمة الإلهية والنور العظيم ينبعث من منبر الوجود ونحن أرواح ، فكيف بنا في عالم الدنيا ونعيش قلب الحسين عليه السلام في كل عام وفي كل يوم ، فهو بعالم الذر كان منبرا للوجود وإلى يوم القيامة سيكون ، فرسالتي إلى العالم أجمع قفوا عند منبر الوجود أينما كان كونوا فوالله إنني وجدت نفسي هاهنا ، وأبكي بكاء الثكلى لضياع ما لم أكن تحت منبره ، فبحق الحسين أقول إن الحسين ينتظرنا وإن كنا في قعر جهنم يستنقذنا فدع القلب منبر الحسين ، والعين دموع الشوق لنور الله المبين .
المصادر للروايات
بحار الأنوار
أصول الكافي
علل الشرائع
وبعض الكتب الأخرى ذكرت بها هذه الروايات
سورة الكف
سورة النساء
بقلم : أم عمار العجمي
سلطنة عمان